فصل: (سورة الإسراء: آية 88)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{مَآ أَنزَلَ هؤلاء} الآيات التسع {إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَآئِرَ} جمع بصيرة {وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُورًا} قال ابن عباس: يعني ملعونًا، مجاهد: هالكًا، قتادة: مهلكًا.
وروى عيسى بن موسى عن عطية العوفي في قوله: {وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُورًا} قال: مُبدّلا، ابن زيد: مخبولا، لا عقل لك، مقاتل: مغلوبًا، ابن كيسان: بعيدًا عن الخيرات، وروى سفيان بن حصين عن الحسن في قوله: {وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُورًا} قال [سلاحًا] في القطيفة.
قال مجاهد: دخل موسى على فرعون في يوم شات وعليه قطيفة له فألقى موسى عصاه فرأى فرعون جانبي البيت بين [فقميها]، ففزع فرعون وأحدث في قطيفته.
وعن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: كنت قائمًا على رأس المأمون وهو يناظر رجلا فسمعته يقول: يا مثبور، ثم أقبل عليَّ فقال: يا إبراهيم ما معنى: يا مثبور؟ قلت: لا أدري، فقال: حدّثني الرشيد قال: حدّثني أمير المؤمنين المنصور فسمعته يقول لرجل يا مثبور، فقلت له: يا أمير المؤمنين ما معنى مثبور؟ قال: قال ميمون بن مهران قال ابن عباس في قوله: {وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُورًا} قال: ناقص العقل، قال الفرّاء: يعني مصروفًا ممنوعًا من الخير، والعرب تقول: ما ثبرك عن هذا الحق؟ أي ما منعك عنه وصرفك، وثبره الله يثبره ومثبره وهو لغتان، وقال ابن الزهري: الغليظ الأرب إذا بارى الشيطان في سنن الغي ومن مال ميله مثبور.
{فَأَرَادًَ} فرعون {أَن يَسْتَفِزَّهُم} يعني يخرجهم، أي بني إسرائيل {مِّنَ الأرض} أي أرض مصر والشام.
{فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعا} ونجّينا موسى وقومه {وَقُلْنَا} {مِن بَعْدِهِ} أي من بعد هلاك فرعون وقومه {لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسكنوا الأرض} يعني مصر والشام {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة} وهي الساعة {جِئْنَا بِكُمْ} من قبوركم الى موقف القيامة {لَفِيفًا} مختلطين وقد التفَّ بعضكم ببعض لا تتعارفون ولا ينحاز [أحدكم] إلى قبيلته وحيّه، وهو من قول الجيوش إذا اختلطوا، وكل شيء اختلط بشيء تعطّف به والتفّ.
وقال مجاهد والضحاك: [لفيفًا] أي جميعًا، ووحّد اللفيف وهو خبر عن الجمع لأنه بمعنى المصدر كقول القائل: لففته لفًا ولفيفًا.
وقال الكلبي {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة} يعني مجيء عيسى ابن مريم من السماء جئنا بكم لفيفًا وقال البزّار: من ههنا وههنا، يقول: جميعًا.
وهذه القصة تعزية لنبيّنا صلى الله عليه وسلم وتقوية لقلبه، يقول الله تعالى: {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن} [طه: 2] فكذبك كفار قومك من مكة كذلك آتيت موسى التوراة فكذبه فرعون وقومه، وكما أراد أهل مكة أن يستفزّوك منها، كذلك أراد فرعون أن يستفزّ موسى وبني إسرائيل من مصر، فأنجيناهم منهم وأظفرتهم عليهم، وكذلك أظفرتك على أعدائك، وأتمّ نعمتي عليك وعلى من اتّبعك نصرةً للدين ولو كره الكافرون، فأنجز الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده وله الحمد والمنّة.
{وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ} يعني القرآن {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ} يا محمد {إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} أي وأنزلناه قرآنًا ففصّلناه.
قرأ ابن عباس: فرّقناه بالتشديد وقال: لأنه لم ينزل مرة واحدة وانما أنزل [نجومًا] في عشرين سنة، وتصديقه قراءة أُبي بن كعب وقرآنًا فرّقناه عليك، وقرأ الباقون بالتخفيف كقوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4].
قال ابن عباس فصّلناه، قال الحسن: فرّق الله به بين الحق والباطل، وقرأ الآخرون: بيّناه.
{لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ} أي تؤدة ومهل في ثلاث وعشرين سنة {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا * قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تؤمنوا} أمر وعد وتهديد {إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ} أي من قبل نزول القرآن وخروج محمد صلى الله عليه وسلم وهم مؤمنو أهل الكتاب {إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ} يعني القرآن {يَخِرُّونَ} يسقطون {لِلأَذْقَانِ} على الأذقان وهي جمع الذقن وهو مجتمع اللحيين، قال ابن عباس أراد الوجوه {سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} قال مجاهد: هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم {خَرُّواْ سُجَّدًا} [السجدة: 15] ان كان أي وقد كان وعد ربنا لمفعولا {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ} نزول القرآن {خُشُوعًا} وخضوعًا وتواضعًا لربّهم.
قال عبد الأعلى التيمي: من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق أنْ لا يكون أوتي علمًا ينفعه، وتلا هذه الآية، نظيرها قوله: {إِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرحمن خَرُّواْ سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58].
{قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن} الآية، قال ابن عباس: تهجّد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فجعل يقول في سجوده: يا الله يا رحمن يا رحيم، فقال المشركون: كان محمد يدعو إلهًا واحدًا فهو الآن يدعوا إلهين اثنين الله والرحمن، والله ما نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب، فأنزل الله عزَّ وجلَّ هذه الآية.
قال ميمون بن مهران: كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحي إليه يكتب: باسمك اللهم حتى نزلت هذه الآية: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم} [النمل: 30] فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال مشركو العرب: هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
الضحاك: قال أهل الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنّك لتقلّ ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم، فأنزل الله تعالى: {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن} الآية.
{أَيًّا مَّا تَدْعُواْ} من هذين الاسمين ومن جميع أسمائه {فَلَهُ الأسمآء الحسنى} [.......] مجازه: أيًّا تدعوا، كقوله: {عَمَّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] و{جُندٌ مَّا هُنَالِكَ} [ص: 11].
{وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} قال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فاذا سمع ذلك المشركون سبّوا القرآن ومن أنزله ومن تلا به كما حكاه القرآن: {لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ} [فصلت: 26] ربما صفّروا ليغلّطوا النبي صلى الله عليه وسلم ويخلطوا عليه قراءته فأنزل الله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلًا} أي في الصلاة فيسمع المشركون فيؤذوك، ولا تخافت بها فلا يسمع أصحابك حتى يأخذوا عنك.
وقال سعيد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءة القرآن في المسجد الحرام، فقالت قريش: لا تجهر بالقراءة فتؤذي آلهتنا فنهجو ربك، وقال مقاتل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي في دار أبي سفيان بن حرب عند الصفا، يجهر بقرائته فمرَّ به أبو جهل فقال: لا تفتر على الله، فجعل يخفت صوته، فقال أبو جهل للمشركين: ألا ترون ما فعلت بابن أبي كبشة، رددته عن قراءته فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى [علقمة] عن ابن سيرين في هذه الآية قال: كان أبو بكر رضي الله عنه يخافت بالقراءة في الصلاة ويقول: أناجي ربي، وقد علم بحاجتي، وكان عمر بن الخطاب يرفع صوته ويقول: أزجر الشيطان وأوقظ المنان، فأمر أبو بكر حين نزلت هذه الآية أن يرفع صوته شيئًا، وأمر عمر أن يخفض شيئًا.
وقالت عائشة رضي رضي الله عنه: نزلت هذه الآية في التشهد، كان الأعرابي يجهر فيقول: التحيات لله والصلوات ويرفع بها صوته، فنزلت هذه الآية، وقال الحسن: لا تراءِ بصلاتك في العلانية ولا [تُسئها] في السر.
الوالبي عن ابن عباس: لا تصلِّ مرائيًا الناس، ولا تدعها مخافة الناس، ابن زيد: كان أهل الكتاب يخافتون في الصلاة، لم يجهر أحدهم بالحرف فيصيح ويصيح من وراءه، فنهاه الله أن يصيح كما يصيحون، وخافت كما يخافتون، والسبيل الذي بين ذلك الذي بيّن له جبرئيل في الصلاة.
وقال: علي والنخعي ومجاهد وابن مكحول: هي في الدعاء، [وبه قال أشعث عن] عطية عن ابن عباس، وقال عبد الله بن شدّاد: كان أعراب من بني تميم إذا سلّم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: اللهم ارزقنا، فقال لهم: أتجهرون؟ فأنزل الله هذه الآية.
ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن دراج أبي السمح أن شيخًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّثه أن رسول الله قال في هذه الآية: إنما أُنزلت في الدعاء، يقول: لا ترفع صوتك في الدعاء عند استغفارك واذكر ذنوبك فيسمع منك فتعبِّر بها وتخافت في الصوت والسكون، ومنه يقال للميّت إذا برد خفت.
{وابتغ بَيْنَ ذلك} أي بين الجهر والإخفات {سَبِيلًا * وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} قال الحسين بن الفضل: يعني الذي عرّفني أنّه لم يتخذ ولدًا {وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الملك وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذل} قال مجاهد: لم يذل فيحتاج الى ولي يتعزز به.
{وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} وعظّمه أن يكون له شريك أو ولي، قال عمر بن الخطاب ح: قول العبد: الله أكبر خير من الدنيا وما فيها.
وروى سهل بن معاذ عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آية العزّ {وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا}» الى آخره.
وروى سفيان بن وكيع عن سفيان بن عيينة عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علّمه هذه الآية سبع مرات.
وروى محمد بن سلمة عن عبد الحميد بن واصل قال: من قرأ آخر بني إسرائيل كتب الله له من الأجر ملء السموات والأرض؛ لأن الله يقول فيمن زعم أن له ولدا {تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدًّا * أَن دَعَوْا للرحمن وَلَدًا} [مريم: 90-91] قال: فيكتب له من الأجر على قدر ذلك. اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة الإسراء: آية 88]

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)}
{لا يَأْتُونَ} جواب قسم محذوف، ولولا اللام الموطئة، لجاز أن يكون جوابا للشرط، كقوله:
يقول لا غائب مالى ولا حرم

لأن الشرط وقع ماضيا، أي: لو تظاهروا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في بلاغته وحسن نظمه وتأليفه، وفيهم العرب العاربة أرباب البيان لعجزوا عن الإتيان بمثله، والعجب من النوابت ومن زعمهم أن القرآن قديم مع اعترافهم بأنه معجز، وإنما يكون العجز حيث تكون القدرة، فيقال: اللّه قادر على خلق الأجسام والعباد عاجزون عنه. وأما المحال الذي لا مجال فيه للقدرة ولا مدخل لها فيه كثانى القديم، فلا يقال للفاعل: قد عجز عنه، ولا هو معجز. ولو قيل ذلك لجاز وصف اللّه بالعجز، لأنه لا يوصف بالقدرة على المحال، إلا أن يكابروا فيقولوا هو قادر على المحال، فإن رأس ما لهم المكابرة وقلب الحقائق.

.[سورة الإسراء: آية 89]

{وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا (89)}.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنا} ردّدنا وكرّرنا {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه.
والكفور: الجحود. فإن قلت: كيف جاز {فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} ولم يجوز ضربت إلا زيدا؟ قلت: لأن أبى متأوّل بالنفي، كأنه قيل: فلم يرضوا إلا كفورا.

.[سورة الإسراء: الآيات 90- 93]

{وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولًا (93)}.
لما تبين إعجاز القرآن وانضمت إليه المعجزات الأخر والبينات ولزمتهم الحجة وغلبوا، أخذوا يتعللون باقتراح الآيات: فعل المبهوت المحجوج المتعثر في أذيال الحيرة، فقالوا: {لن نؤمن لك حتى} و{حتى تَفْجُرَ} تفتح. وقرئ: {تفجر} بالتخفيف {مِنَ الْأَرْضِ} يعنون أرض مكة {يَنْبُوعًا} عينا غزيرة من شأنها أن تنبع بالماء لا تقطع: يفعول من نبع الماء، كيعبوب من عب الماء {كَما زَعَمْتَ} يعنون قول اللّه تعالى: {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّماءِ}. قرئ: {كسفا} بسكون السين جمع كسفة، كسدرة وسدر. وبفتحه {قَبِيلًا} كفيلا بما تقول شاهدا بصحته. والمعنى: أو تأتى باللّه قبيلا، وبالملائكة قبيلا، كقوله:
كنت منه ووالدي بريّا ** فإنّى وقيّار بها لغريب

أو مقابلا، كالعشير بمعنى المعاشر، ونحوه: {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا} أو جماعة حالا من الملائكة {مِنْ زُخْرُفٍ} من ذهب فِي السَّماءِ في معارج السماء، فحذف المضاف.
يقال: رقى في السلم وفي الدرجة {وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} ولن نؤمن لأجل رقيك {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتابًا} من السماء فيه تصديقك. عن ابن عباس رضي اللّه عنهما: قال عبد اللّه بن أبى أمية: لن نؤمن لك حتى تتخذ إلى السماء سلما. ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها ثم تأتى معك بصك منشور، معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. وما كانوا يقصدون بهذه الاقتراحات إلا العناد واللجاج، ولو جاءتهم كل آية لقالوا: هذا سحر، كما قال عز وجل: {وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتابًا فِي قِرْطاسٍ} {وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} وحين أنكروا الآية الباقية التي هي القرآن وسائر الآيات وليست بدون ما اقترحوه- بل هي أعظم- لم يكن إلى تبصرتهم سبيل {قُلْ سُبْحانَ رَبِّي} وقرئ: {قال سبحان ربى} أي قال الرسول. و{سُبْحانَ رَبِّي} تعجب من اقتراحاتهم عليه {هَلْ كُنْتُ إِلَّا} رسولا كسائر الرسل {بَشَرًا} مثلهم، وكان الرسل لا يأتون قومهم إلا بما يظهره اللّه عليهم من الآيات، فليس أمر الآيات إلىّ، وإنما هو إلى اللّه فما بالكم تتخيرونها علىّ.